اعداد بيشوي صموئيل
واصلت النجمة الهام شاهين مشوارها بدأب واصرار على التلون والتنوع في اختيار أعمالها فهي تلعب دور بطولة مطلقة في عمل مثل مراهقون ومراهقات او السجينة 67 أو موعد مع الرئيس او اغتيال فاتن توفيق، وفي مرات اخرى نجدها تشارك في عمل بطولة جماعية مع نجوم ونجمات آخرين، ورغم ان اسمها كان الأقرب بين النجمات الى أذهان المنتجين والمخرجين في ترشيحاتهم لبطلات أفلامهم. فلم تشترط الهام ترتيب اسمها على الأفيش أو الحصول على أجر محدد، بل كان شغلها الشاغل الدور والعمل وهو ما ميزها عن بنات جيلها وجعلها الأكثر حضورا في بلاتوهات السينما وتصدرت صورها واسمها أفيشات افلام جماعية اخرى مثل الجنتل مع بوسي ومحمود عبدالعزيز، وفي هذا العمل استطاعت الهام ان تثبت نفسها وسط بوسي ومحمود وفي نقده للفيلم كتب الناقد كمال رمزي تحت عنوان الجنتل.. دون كيشوت في غير زمانه يقول كمال رمزي في مقدمه نقده.
'رشاد' العجلاتي أو الجنتل ابن البلد الشهم. الخدوم الذي ورث عن والده سيفا في جراب من خشب يدافع به عن المظلومين ولا يرفعه ابدا على الضعفاء.. رزقه في دكانه قليل ولكنه يرضي من يعمل معه. إنه فارس في عالم لم تعد للفروسية فيه أي قيمة او أهمية، لذا فإنه في الكثير من المواقف يبدو أقرب الى دون كيشوت يحارب طواحين الهواء ويفشل في انقاذ المضطهدين ويخيب مسعاه ومع هذا لا يندم ولا يتوب عن فروسيته.
في اطار كوميدي جسد محمود عبدالعزيز باستمتاع شخصية الجنتل فأضاف لها من يقظته وروحه المتوثبة ومرونة حركته قدرا غير قليل من المرح والحيوية، وبالضرورة تمتع المشاهدون بأداء محمود عبدالعزيز المشرق وحضوره الأخاذ الذي يفيض بالألفة.. لكن المشكلة ان حرارة الفيلم تنخفض وتتلاشى وتتحول الى برودة مملة. مريضة عندما يختفي من هذا المشهد أو ذاك على الرغم من أن الجنتل يتضمن اسماء كبيرة: بوسي.. والهام شاهين.
في بداية موحية مع فجر يوم جديد يمارس الجنتل رياضة رفع الاثقال وهو ممدد على سريره ويتصبب عرقا.. يستعرض أمام الكاميرا عضلاته وببساطة ندرك من خلال لقطة كبيرة ان ذراعه المتضخمة بفعل الدهون تخلو من العضلات المفتولة التي يظن انه يتمتع بها.. هنا يبين الفيلم على نحو ايحائي المسافة الواسعة بين امكانات الجنتل المتواضعة من ناحية وفكرته المغالي فيها عن قدراته من ناحية أخرى.
تاريخ الحارة
مهندس الديكور محمد همام ينشئ حارة تقليدية تشتمل على دكان فول الصباح مغلق دائما ودكان عجل مفتوح دائما ومنضدة حلويات تملكها الفتاة الجميلة العاقلة 'شهر' التي تؤدي دورها بوسي وقهوة العربي لصاحبها المعلم الشرير سامي سرحان وثمة الساحة الواسعة لزوم اندلاع الاحداث والأداء التمثيلي.
ويرجع التاريخ الرسمي للحارة في السينما العربية لعام 1939 بفيلم العزيمة لكمال سليم وأهمية درب معتوق كما بدا في العزيمة لا تتمثل في مجرد دقة الديكورات التي صممها الفنان الكبير ولي الدين سامح مع مصطفى والي وحسب بل في العلاقات المتداخلة المركبة بين أصحاب الدكاكين .السكان: الحلاق. الفران. الجزار. الحانوتي. الاسكافي. المأذون.. والكشف عن هذه العلاقات وتجسيدها وتقييمها هو الانجاز الأهم الذي ينسب لكاتب السيناريو المخرج كمال سليم.
ومنذ ذلك الحين ظهرت عشرات الحارات في مئات الأفلام، بنمط درب معتوق نفسه.. بعض هذه الافلام وهو الأكثر، تظهر الحارة مجرد خلفية شعبية يقدم أمامها حدوتة باهتة تافهة لا تمت للمنطق بصلة.. والبعض الآخر وهو الأقل ينفذ برؤيته الى معنى ما يدور أمام ووراء كتل الخشب ولوحات الكارتون وشاسيهات القماش.
ويقدم الفيلم شخصية أساسية ثالثة: 'سعاد' الهام شاهين شقيقة 'شهر'.
تطالعنا في مشهدها الاول وهي ترقص فوق عربة كارو تحمل أثاث عروس من الحارة، فضلا عن بعض البنات والنساء يصفقن ويطبلن، لاحقا تؤنب شهر أختها على استهتارها وميلها للعبث. وترد سعاد بغضب وتعلن عن ضيقها بالحياة الضنينة في حارة صايمة وانها تتحين فرصة الابتعاد عنها.
وبدلا من ان يكشف الفيلم طبيعة العلاقات التي تربط أهالي الحارة مع بعضهم بعضا من ناحية وعلاقاتهم بالعالم الخارجي من ناحية ثانية يكتفي بمتابعة العلاقة بين الجنتل والبنتين مع تخصيص أكبر مساحة ممكنة لبطل الفيلم محمود عبدالعزيز الذي يبدو في المحصلة الأخيرة وكأن العمل مصنوع من أجله.. ومن أجله فقط.
ويتعاون المصور محسن نصر مع المونتير حسين عفيفي في الوصول ببعض المشاهد الى مستوى جيد بحق.. في مشهد تحطيم النرجيلات وعلى سبيل المثال، ترصد الكاميرا في لقطة متوسطة الجنتل مندفعا بعينين مغرورقتين بالدموع نحو المقهى.. ويتم القطع الى لقطة كبيرة لطابور النرجيلات السليمة. وها هو السيف يهشم نرجيله إثر أخرى.. وينتهي المشهد القوي بشظايا الزجاج متناثرا على الأرض.
أجواء مختلفة
ينجح علي عبدالخالق في تجسيد وتكثيف الأجواء المختلفة فثمة العيد وبهجته بمراجيح الاطفال وملابسهم المزركشة والعجل المزين بالاوراق الملونة والخراف التي سيتم التضحية بها.. ان محسن نصر وهو يطل بكاميرته من باب شرفة الفتاتين يرصد تدفق الحياة في عمق المجال.. وعندما يذهب الجنتل الى الصعيد في محاولة إنقاذ جديدة للمغرمة بالرقص يختار علي عبدالخالق مجموعة كومبارس قاسية الملامح كضيوف في الفرح ويحيط العريس برجال مدججين بشتى أنواع الاسلحة النارية وبسبب الاضاءة الشديدة التي تغمر الصيوان الممتلئ بالغبار يتضاعف الاحساس برهبة المكان وخطورته خصوصا عندما يتناهى الى سمع الجنتل ان العريس مطلوب لثأر قديم.. وما هي الا لحظات وبينما الجنتل يؤدي أغنية ساخرة أقرب الى المونولوج تتحدث عن السحن المقلوبة تنطلق رصاصة غادرة تصيب العريس في مقتل وتنطلق بعدها طلقات الرصاص.. وتغرق الشاشة في العتمة.
سوق المتعة
وكما شاركت الهام نجوم ونجمات في أعمال جماعية شاركت نجوما كبارا في أفلام ضخمة، وكما جمع الجنتل الهام بالنجم محمود عبدالعزيز فقد التقت بمحمود في أفلام أخرى مثل دنيا عبدالجبار وهارمونيكا وسوق المتعة والفيلم الثاني شارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ونال محمود عبدالعزيز عن دوره فيه جائزة أفضل ممثل في المهرجان. وأثار الفيلم جدلا شديدا وخاصة الشخصية التي جسدتها الهام في العمل وواجهت بسببه سيلا من الانتقادات، وفي أحدى المقابلات الصحفية التي أجرتها الهام عقب عرض الفيلم مباشرة قالت: أقوم في سوق المتعة بدور فتاة منحرفة تعمل موظفة في احدى المصالح الحكومية ولأنها فقيرة جدا فهي تعطي لنفسها الحق في الانحراف مقنعة نفسها انها ستنحرف لفترة محدودة حتى تتمكن من تحويش مبلغ يكفي لشراء شقة تكون سندها في البحث عن عريس مناسب بعد ان يئست من ان تجد زوجا لديه شقة وقد تخطت الثلاثين، تقنع نفسها بالانحراف ثم الاهتداء بعد ان تتمكن من تجميع ثمن الشقة وبالطبع لا ينجح منطقها المنحرف المرفوض لأنها تقتنع في النهاية بان الفلوس ليست كل شيء فتقرر التوبة وأن تحيا حياة طبيعية بحلوها ومرها مثل التي يحياها كل البشر.
شهادة فنية
تضيف الهام شاهين: أنا لا أهتم بالهجوم على فيلمي سوق المتعة لأن الأفلام التي تهاجم تنتشر جماهيريا وتشتهر وعموما أنا مقتنعة تماما بأن سمير سيف ووحيد حامد وش الخير لأنهما كانا أول من أعطاني البطولة في فيلم الهلفوت ثم عدت والتقيت بهما في سوق المتعة الذي تم اختياره من ضمن العديد من الأفلام لتمثيل مصر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، واعتقد ان مجرد اختياره من قبل لجنة تضم افضل النقاد والكتاب السينمائيين ليمثل مصر في مهرجان عالمي فهذا في حد ذاته شهادة على فنية الفيلم العالية وجودته وهذا جعلني أشعر بقمة السعادة وكأنني حصلت على 100% في الثانوية العامة، وأنا أثق في أي فيلم مع سمير سيف ووحيد حامد لأنه بالتأكيد سيكون فيلما ذا قيمة فنية عالية ولذا لا أتردد ولن أفكر ثانية لو كان العمل معهما.
أما عن أفيشات الفيلم واللقطات الاعلانية التي ركزت على المشاهد الجنسية دون غيرها فتقول: أعتقد ان هذه الاعلانات واللقطات أفادت الفيلم بدليل كم الاقبال الهائل الذي حققه الفيلم حيث حقق اعلى ايرادات واسألوا الموزع للفيلم واصف فايز!!
عموما الجمهور عاطفي ويحب دائما ان يراني في أدوار مثالية ولكني لا استطيع ان اكرر نفسي او ان اقدم صورة واحدة حتى لو أحبها الجمهور وأنا اسعد حينما اقدم التناقض فأنا منحرفة مرة وفلاحة أصيلة وارستقراطية وكل شيء.
استمتع بتقديم كل الأنماط الموجودة في الحياة وانا سعدت عندما صفق لي الجمهور وأنا أقتل بالرصاص في فيلم القتل اللذيذ وكنت أقوم بدور سيدة شريرة وتاجرة مخدرات ومعنى التصفيق للمشهد انني نجحت في الدور وجعلتهم يكرهونني فيه.
تضيف أنا سعيدة بفيلمي سوق المتعة لأنه حقق المعادلة الصعبة فقد نجح جماهيريا جدا وتم اختياره في مهرجان دولي أي أنه نجح فنيا وكان ذا قيمة عالية.
انتقادات
وعن الانتقادات التي وجهت للفيلم لأنها ترتدي قميص نوم مثيرا تضحك قائلة: دا أنا طول الفيلم تقريبا لابسة حشمة . فارتدي جيبات طويلة وبلوزات بكم بشكل محتشم زائد عن اللزوم، وهناك مشهد واحد وقميص نوم واحد في الفيلم كله واعتقد أن هذا لا يستدعي كل هذه الضجة لأنني لو كنت أمثل دور هانم محترمة في المنزل كان يمكن ألبس قمصان نوم اكثر من كده ولكن ربما طريقة أدائي أوصلت إلى الجمهور الايحاء المطلوب وانني فتاة منحرفة واعتقد ان هذا معناه نجاح الدور والمشهد نفسه وقد سعدت بشهادة حسين كمال عندما قال لي: 'لما عديت أمام سينما ديانا تأثرت من كم الجمهور المنتظر امام السينما في انتظار دخول فيلم سوق المتعة، فقد تذكرت فيلمي أبي فوق الشجرة عندما كان يعرض في السينما نفسها وعادت لي الثقة في أن الفيلم الجيد يذهب له الجمهور دائما حتى لو كان فيلما فلسفيا بدون كوميديا'.
ففيلمنا سوق المتعة يدافع عن حرية الانسان ويحتوي على القليل من الضحك والكثير من الفلسفة ورغم ذلك نجح جماهيريا وفنيا والحمد لله.
وعن امكان دخول مجال الانتاج تقول: لم أقرر ذلك بعد لأن الانتاج يحتاج وقتا طويلا للإعداد له وأنا مشغولة بعدة اشياء أخرى.
وعن التفكير في الزواج تقول ضاحكة.. خلص.. وانتهى ومش على بالي أبدا الموضوع ده رغم ان كل شيء قسمة ونصيب ولا يوجد في حياتي أحد ولا اعتقد ان هناك من سيظهر!! وربما رأيي يتغير وان كنت عارفة أنني سأبقى وحدي ولن تتغير نظرتي أبدا.
تقول عن رأيها فيما قدمته: اعتقد اني في سلام مع نفسي وانني أسير بخطى معقولة وسعيدة ان اعمالي دائما تثير الضجيج والكلام ولا تمر مرور الكرام دون جدل وهذا نجاح في حد ذاته، لأنني دائما أفاجئ الناس بما لا يتوقعونه مثلما فعلت في نصف ربيع الآخر فقد حيرت الناس ما بين كاره لي وآخر محب!! وكذا في دانتيلا الذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا وحصد العديد من الجوائز.